"منَّ الله عليكم بصحة الجسم، وكثرة الأكل، ودوام الشهوة، ونقاء المعدة، ومَتّعَكَم بضرسِ طحون ومعدة هَضوم، مع السَّعة والدّعة والأمن والعافية".
الحِجاج عند الطفيليين، للدكتور أحمد علواني
: من الجماليات البحثيّة الدّارِسة لكتب
التراث الإسلامي الدّارجة في أخبار الطفيليين ونوادِرهم وأشعارهم وحِيَلِهم.
جاء
مخاضُ هذه المُعالجة النقدية في إطار سوسيوثقافي (تسجيل تاريخي واقعي للعصر
العباسي) . يشتمِل على أهداف معيّنة:
- إثبات فاعليّة النص التراثي القابِل للفحص
بما يمتلِكهُ من معطيات حيّة استعان بها الدكتور علواني كمرجع أوّلي خام لدراسة
أخبار الطفيليّين ( ممّ ذكره الخطيب البغدادي/ أحمد بن العماد الأقفهسي، الآبي،
ابن الجوزي..إلخ).
- إعادة طرح أخبار الطفيليين تحت منهج دراسي
نقدي حديث.
- الرّصد النظري للجوانب الجماليّة والأدبية
لأخبار الطفيليّين.
أمّا بالنسبة للسيرورة البحثية التي اتّخذها
الدكتور فكانت مُرتكِزة على خطوتين هامّتين.
1)- عرض نصّ الخبر.
2)- تحليل الخبر.
- ملاحظة: الطّفيلي لغةَ من الطَفل: وهو وقت
المساء وأوان العشاء. فالمُتطَفّل هو الذي يتسلّل إلى مكان غريب فيه لقضاء
حوائِجهِ وتسديد رغائِبه. وفي هذا النّسق الدراسي الحالي يقصدُ به من يندسُّ
ويتداخل بين موائد الطّعام بدون دعوة من أصحابه للأكل والاستجمام.
فدراسة شخصية الطّفيلي من خلال النماذج البلاغية
المعروضة توحي أنّ الطفيلي :
1)- يمتاز بقدرة التداخلُ البلاغي بين السرد
والحِجاج كأسلوبين في الرد والإقناع والتجاوب مع من يمنعهُ (البوّاب، صاحب
الوليمة...).
2)- القدرة الإيمائية السّلِسة في التحكّم في
التعابير الوجهيّة والإفراد بالحواس (حاسة البصر) للتملّص والتجسّس والتمويه
والإيهام.
3)- مقاربة الحُجة بالحُجّة لحدوث المواجهة
والابتعاد عن الإسهاب واستخدام الاستنكار والتحرّي لجمع المعلومات.
4)- الاستناد على الأثر الإيجابي (
الخاصية الانفعالية الإيجابيّة).
- لقد اعتمد علواني على ذكر أنّ دعائم ما
ورَد من التطفيل كأدب تفاعليّ هو الأسلوب الحجاجي والسرد الذي يعتمدهما الطّفيلي
في عمليّة الاحتيال اللّفظي، فالسرد يُبنى فيه الخبر على شاكِلة حكاية يكون فيه
هذا الأخير الشخصية المحوريّة. أمَّا بالنسبة للمكوّن الثاني (الحجاج) الذي يشترِط
حضور المخاطِب والمتلقي.
فيما يخصّ الفصول الموالية، لقد تمَّ عرضُ
نماذج تطفّل كامنة في كتب التراث المُشار إليها سابقًا والتطرّق إلى تحليلها ورصد
ميزاتها.
أ)- فقد ذكر أهمّ الحجج والطرائف التي تُحدد
أبعاد الشخصية التي تجسّد الطفيلي في تلك الحِقبة، فهو يتسلّح بالظرف والفكاهة
وبراعة التفكير (توظيف معرفته بالانفعالات والمعتقدات والحوافِز المعروفة) والقدرة الحجاجية والمَلَكة الاقناعية والجرأة
في الخوض والاسترسال..
ب)- وكذلك إشارتهِ للاستفهام الحجاجي الذي
يُقيم علاقة دوريِة تخدم مقاصده.
ج)- أمّا في الفصل القادِم فلقد تم معالجة
الحجّة الدينية كذريعة كان يستشهِد بها الطفيلي من القرآن الكريم والسنّة دلالة
على استيعابه وحفظه لها.
د)- لقد أفرَدَ "علواني" بحجاجية
الوصايا كآليات خطابية تعتمدُ على الأمر والنهي والطلب والنّصح، وهي إجابات
لِتساؤلات راغبي التطفي كمُحاكاة لِخلاصة تجربة مرّ بها الطفيلي وعايَشَ واقعها
وأخذَ العِبَر والخبرات منها.
و)- الارتكاز على وضع أشعار الطفيليين كمادّة
للدّراسة للكشف عن بلاغتها الحجاجيّة وعرض الكثير من الأبيات الخاصّة في هذا
الجانب.
ه)- الحديث على صورة المرأة في أدب التطفيل،
لكنّ هذا الفصل كان محدودًا أو فاترًا. غياب شِبه تام للأثر الأنثوي في سرد الخبر
وإفراد فصل في هذا السّياق يحتاج لمرجعيّة غنية توضّح العلائقيّة بين المرأة
والمتطفّل فما تمّ ذكره كان شديد النّقصان وفقير التفاصيل وقد غيَّر غاية التطفيل
المُتّفق عليها في بداية البحث ( حصر الغاية التطفّلية في الحصول على الغذاء) وليس
ما تمّ ذكره من أخبار كانت تتوجّسُ بالحصول على المرأة كما تمّ مُعايًنتهُ في
حكاية "ابراهيم بن المهدي" الذي ظَفُر بصاحبة الكفّ فكانت أُطُر القصة
قائمة على العفوية والمُصادَفَة ..
و)- فالتطفيل بالأخير هو فِعل ثوريّ تعبيري
عن حالة طبقة مسحوقة كما حدّدها الدكتور، فهو ذلك
الذي عانى الجوع والإهمال والتّهميش وأراد إثبات القوام بالدّوام .. بجلّ
الطرائق والطرائف التي عاشوها في بغداد
وخارجها.
وفي الأخير، أشكر السيد أحمد علواني على هذا
العرض البحثي القيّم الذي تمحوَر واهتم بكتب التراث الإسلامي بالدّفع نحو دراستها
وتقليبها كإثبات لوجودها وحضورِها في خدمة وترميز الأدب العربي خاصّة والإنساني
عامة.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبتهُ عائشة نور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شاركنا رَأيك :