"المدينة الإسلامية والأصولية والإرهاب : مقاربة جنسية" لعالم الاجتماع
المغربي عبد الصَّمد الديالمي، كتاب بحثي يتناول مدى علاقة تأثير العامل الجنسي
على المدينة والسلوكات البشرية الإسلامية ..هناك مقاربة جد مهمة بين رمزية المجال (l'espace) وعلاقته بالجنس(sexualité).
فالجزء الأول كان بمثابة مدخل للتحليل النفسي للأصولية، وتمّ الحديث أيضًا عن
أثر (الجنس) على البنيان والتَّمدن، كيف جسَّد هذا الأخير العُمران وشكّل المدينة؟
في الحقيقة كانت مقاربة لا منطقية ومجرّد تصوير فوضويّ لا يتناسب أبدًا مع
جماليَّة الفن المعماري الإسلامي المدروس بدقّة من حيث الزخارف والنقوش والتقسيمات
وهو يا سيدي ليس مُستقى من أعضاء جسمية ذكرية أو أنثوية (مثلما قال أنَّ مفهوم
القبّة جاءت من بطن الحُبلى التي شكّلت هندسية نصف الدائرة)؛ لكن ألهمتني نظرته
بكيفية توظيف اللّغة العربية إلى العضو الجسمي بمثل ما يُقال في معاجم العرب:(صدر
البيت، قاعُ المدينة، رأس الدرب) ما هو مدلول العِرض بالبيت؟ وكيف كانت
"الحُرمة" كمصطلح يُشير إلى المحدودية والحشمة يشارك في ترميز البيت
المغربي آنذاك إلى بيت يفتقر إلى النوافذ والمخارج" بإعتبار المرأة مقدَّسة
غير مسموح بالإبصار لها والتعرُّض إليها بالدخول إلى منزلها على وجه الخصوص.
وفي الجزء الثاني، استهلّ بالحديث عن الإرهاب كسلوك إنحرافيّ له خلفيَّاته الاجتماعية تعود بالدرجة الأولى إلى الفقر بأبعاده الثلاث:" الفقر الإقتصادي والتعليمي والروحي" وأنَّ الهوس الجنسي عند الشباب تزامن مع ظهور المدنيَة الحديثة السَّاعية إلى دحضِ القيم الأخلاقية وتقديس المادة، وإلى التيّار الوهَّابي الشاذ والحِرمان الجنسي الذي أدّى بالمتطرّف بالاتّجاه إلى مقام التخريب والأذيّة وإنهاء حياته من أجل الخلود الأبديّ وممارسة الرغائب الجنسية بحرية تامة دون قيد الخصوصية وعرقَل الزواج وسمّاها الدكتور بِـ:"الحريك نحو الجنة".
وهذا كلّه ورد وراء تعليقِه لأحداث الدّار البيضاء في17 ماي 2003 على شاكلة مقالة استطلاعية في جريدة الأحداث المغربية" والتي أحدثت منعرجًا حاسمًا في مستوى الوعي بخطر تغلغل هذا السرطان في علم السّوسيولوجيا عند المغاربة إذ كانت دراسته تستهدف آيدولوجية وثقافة وعادات عيّنة مجتمعه بالأخصّ.
أهم ما راق لي في الكتاب، تناوله لموضوع المرأة التي تعرّضت للإستيلاب الأبيسي والسيطرة الذكرية التي نمت مع الخطاب الدّيني المحرَّض، فهي كانت ضحية لممارسات تعنيفية لمسلمٍ مقهور يريد إظهار فحولته بها بعد رضوخه العربيد لنظام سياسي ديكتاتوري؛ حتى أنّ الحديث عن المرأة لم يكن أبدًا يتناولها ككيان أو فرد أو مواطن مستقلّ له حقوق وواجبات على الساحة الإجتماعية بمثله كمثل غيره، بل دائمًا ما تطرّقوا إليها في النقاشات وتناحروا عليها على أساس أنّها موضوع جنسي بامتياز.
وإقصاء المرأة مع عدم الإقرار بدورها الجوهري في تحقيق التنمية والإزدهار الروحي والإقتصادي بطرق تعليمية توظيفيَّة لعقلها وحِسّها الأمومي معضلة نتج عنها هذا الهوس، أين استُخدمت المرأة كسلعة في الإعلانات التلفزيونية لعرض المنتوج أو كراقصة في الكليبات الغنائية للجذب..إلخ
وفي الختام، تطرق عبد الصمد الديالمي إلى فكرة العمل على تحقيق إسلام علمانيّ وفق سبع أطروحات، وهذا ما لم أستسغهُ ولم يدخل في عقلي بالمباشرة، الإسلام نظام حياتي ترابطيّ لا ينحصر في العبادات بل تطبيقه يشمل كلّ النطاقات لأنّه أساس يُؤطّر مختلف العلاقات مع العامة، من حُكم وميراث أدري من منطق مبحثه الوفير أنَّه لم يكن يقصد ذلك لكن لم يكن هناك توضيح شامل مع هذا التسليم.
ولا أدري سبب اعتراض الكاتب مع تطبيق الحدود ووجوب اختزال بعض الأحكام القرآنية لعدم تماشيها مع القالب الحداثي بل كانت ملائمة في عهد القريشية والصحراء إذا ما أردنا الأخذ بصحة هذا الطرح فشيئًا فشيئًا مع عصر السرعة والتكنولوجيا هذا، في الـ2030 سنختزل القرآن!
إلاّ أنّ صياغة الكتاب كان بأسلوب علمي ينمُّ على سِعة تطلُّعات الدكتور من ناحية معرفيَّته بعلم الإجتماع أشهر مُحتضنيه الألمان، ومدى مطابقته الصائبة بالعِلل السلوكية البشرية وإزدراء الوضع الاجتماعي من بطالة، والآفات الإجتماعية ونشأة إسلام تهجُّمي يطبَّق المعنى الظاهري الحرفي للسياق القرآني والسني بدون نسيان بزنسة الفقهاء وتعاملهم وِفق تدخّلات سلطوِيَة، و طبيعة السكنات الاجتماعية التي لا تسمح بالمحافظة على خصوصية العلاقات الزوجية عند خلق الاكتظاظ بسبب ضيقها فيُصبح الطفل قادر أن يكون شاهد عيانٍ لها.
أنا أشكر الكاتب على هذه التحفة المعرفية المفيدة وجرئته في التعبير، وأتمنّى له من الرحمن حفظًا ومزيدًا من الإثراء في مضامين النشر قصد الاستفادة وسنلتقي في كتاب آخر يا أصدقاء.
اقتباسات:
"فالإختلاط الجنسي لا يستقيم إلاّ متى تمَّ الإنتهاء من اختزال المرأة في جسدهَا، أي الانتهاء من إدراكها كموضوع جنسي بالأساس"
"لا بدّ من الإشارة إلى سلعنة الجنس التي تُفرزها المدينة الرّأسمالية، فالجنس هنا يغدو صناعة ثم يتحوَّل إلى تجارة، متجاوزًا حدود الجنسانية الزوجية."
"وبعض المسلمين يعتبرون أنَّ السلوك الوحيد الملائم هو الإرهاب، أي الانتقام المباشر، مادامت السياسة أصبحت باباً مسدودًا".
رابط التحميل المباشر:https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://www.ebooksstream.com/pdfs/kutub-pdf.net-qicEtg.pdf
مع تحيّــاتي عائشة نور.
شكرًا
ردحذف